الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن ***
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ}، فَأَبَاحَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ التِّجَارَةَ فِي الْحَجِّ، وَابْتِغَاءَ فَضْلِهِ وَرِزْقِهِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَا لَزِمَهُمْ من حَرَمِ الْحَجِّ الَّذِي دَخَلُوا فِيهِ قَاطِعًا لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا مَانِعًا لَهُمْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنَ الْحَجِّ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الدَّاخِلَ فِي حُرْمَةِ الِاعْتِكَافِ لَا بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَوْطِنِ الِاعْتِكَافِ، وَلَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ قَاطِعًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا لَا بَأْسَ عَلَى الْحَاجِّ بِالتِّجَارَةِ فِي مَوْطِنِ الْحَجِّ، وَلَا تُلْزِمُهُ حُرْمَةُ الْحَجِّ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ ما: 1181- قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ أَبُو شُرَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانُوا يَكْرَهُونَ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} " فَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ التَّبَايُعِ فِي الْحَجِّ، وَمِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَخْلِطُونَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا هُوَ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَمِنْ ذَلِكَ ما: 1182- قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: " كَانُوا يَخْرُجُونَ حُجَّاجًا، لَا يَرْكَبُونَ، وَلَا يَتَّجِرُونَ، وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ}، وَ: {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} " فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَتْجَرِ، وَأُمِرُوا بِالزَّادِ وَمِنْ ذَلِكَ ما: 1183- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ}، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ مِنًى، أَمْسَكُوا عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} " ومن ذلك ما: 1184- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: " {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ}، قَالَ: التِّجَارَةُ فِي الْمَوْسِمِ أُحِلَّتْ لَهُمْ، كَانُوا لَا يَتَبَايَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِعَرَفَةَ، وَلَا بِمِنًى " وَمِنْ ذَلِكَ ما: 1185- قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: " كَانَ التُّجَّارُ يُسَمَّوْنَ الدَّاجَ، وَكَانُوا يَنْزِلُونَ عَنْ يَسَارِ مَسْجِدِ مِنًى، وَكَانَ الْحُجَّاجُ يَنْزِلُونَ عَنْ يَمِينِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَكَانُوا لَا يَحُجُّونَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ}، فَحَجُّوا " فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا قَدْ أَبَاحَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ فِي الْإِحْرَامِ، وَجَعَلَهَا فِي الْإِحْرَامِ عَلَى حُكْمِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَحْظُرْهَا عَلَى الْمُحْرِمِينَ فِي إِحْرَامِهِمْ كَمَا حَظَرَ عَلَيْهِمْ مَا سِوَاهَا مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ وَبِمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهَ، وَبِمَا رُوِيَ فِيهِ وَمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ وَكَمَا حُظِرَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ. 1186- فَإِنَّهُ قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا؟ فَقَالَ: " لَا تَلْبَسُوا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ، فَيَلْبَسُ مِنْ خُفَّيْنِ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ ". 1187- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1188- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 1189- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1190- حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ فَكَانَ لَبْسُ السَّرَاوِيلَاتِ وَالْعَمَائِمِ وَالْخِفَافِ مَحْظُورًا عَلَى الْمُحْرِمِ إِلَّا مَا أَبِيحَ لَهُ، إِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، مِنْ لِبَاسِ الْخُفَّيْنِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، فَيَكُونَانِ بِذَلِكَ خَارِجَيْنِ مِنْ حُكْمِ الْخِفَافِ إِلَى حُكْمِ مَا سِوَاهَا مِمَّا يُشْبِهُ النِّعَالَ الَّتِي لَا تُغَطِّي الْكِعَابَ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ تَغْطِيَةَ مَا دُونَ الْكِعَابِ مِنَ الْأَقْدَامِ مُبَاحًا لِلْمُحْرِمِينَ وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُونَ فِي هَذَا فِيمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا أَيْضًا وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الْخُفَّيْنِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، وَأَنْ يَلْبَسَ السَّرَاوِيلَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِما: 1191- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِخِيُّ، وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعَرَفَةَ، يَقُولُ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ ". 1192- وَبِمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيَّبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَرَفَةَ. 1193- وَبِمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ سُفْيَانَ هَذَا. 1194- وَبِمَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، أَيْضًا، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 1195- وَبِمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ قُلْتُ: وَلَمْ يَقُلْ: يَقْطَعُهُمَا؟ قَالَ: لَا فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِلْآخَرِينَ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِبَاسَ الْخُفَّيْنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَيَّ خَفَّيْنِ هُمَا، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُمَا الْخُفَّانِ اللَّذَانِ أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وتِبْيَانَ الْخُفَّيْنِ الْمُرَادَيْنِ فِيهِ أَيُّ الْخِفَافِ هُمَا وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الإزَارً، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَلْبَسَ السَّرَاوِيلَ مُؤْتَزِرًا بِهِ، غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهِ، عَلَى غَيْرِ مَا يَلْبَسُ عَلَيْهِ السَّرَاوِيلَاتِ، كَمَا يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَبْلُغَانِ الْكَعْبَيْنِ، بِخِلَافِ مَا يَلْبَسُ الْخِفَافَ الَّتِي قَدْ نَهَاهُ عَنْ لُبْسِهِمَا فِي الْإِحْرَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ السَّرَاوِيلَ إِذَا شُقَّ لَمْ يَكُنْ سَرَاوِيلَ قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ الْخِفَافُ إِذَا قُطِعَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَكُونَا خُفَّيْنِ وَإِذَا كَانَ الَّذِي أَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لِبَاسِ الْخُفَّيْنِ فِي الْحَدِيثِ الزَّائِدِ، وَهُوَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا خَارِجَيْنِ عَنْ حُكْمِ الْخِفَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْ لُبْسِهِمَا فِي الْإِحْرَامِ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَا أَبَاحَهُ مِنْ لِبَاسِ السَّرَاوِيلَاتِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ حُكْمِ السَّرَاوِيلَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ لِبَاسِهَا فِي الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ الْقِيَاسُ يَشْهَدُ لِأَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنْ لُبْسِ الْخِفَافِ، وَمِنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَاتِ لِلْمُحْرِمِ، ثُمَّ أُبِيحَ لَهُ لُبْسُهَا فِي حَالِ الضَّرُورَاتِ، وَقَدْ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ مُنِعَ مِنْهَا الْمُحْرِمُ كَحَلْقِ الرَّأْسِ وَمَا أَشْبَهُهُ، وَكَانَ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى حَلْقِ رَأْسِهِ لِمَرَضٍ أَوْ ضَرُورَةٍ حَلَّ لَهُ حَلْقُهُ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَذِكْرُهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ فِي التَّكْفِيرِ عَنْ حَلْقِ رَأْسِهِ لَمَّا رَأَى بِهِ مِنَ الضَّرُورَةِ إِلَى ذَلِكَ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ فَكَانَ حَلْقُ الرَّأْسِ، وَإِنْ أَبَاحَتْهُ لَهُ الضَّرُورَةُ، لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةٌ، كَمَا كَانَتْ تَكُونُ عَلَيْهِ فِي حَلْقِهِ قَبْلَ الضَّرُورَةِ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَاتِ فِي الْإِحْرَامِ، وَإِنْ أَبَاحَتْ مَا كَانَ مَحْظُورًا قَبْلَهَا، فَإِنَّمَا تَسْقُطُ بِهَا الْآثَامُ عَنِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الْإِبَاحَاتُ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمُ الْحُرَمُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ قَبْلَ حُدُوثِ الضَّرُورَاتِ بِهِمْ، فَكَانَ مِثْلَ ذَلِكَ لِبَاسُ الْخِفَافِ الْمُجَاوِزَاتِ لِلْكِعَابِ، وَلِبَاسُ السَّرَاوِيلَاتِ لَمَّا كَانَا مَحْظُورَيْنِ عَلَى الْمُحْرِمِينَ قَبْلَ الضَّرُورَاتِ، ثُمَّ حَدَثَتْ بِهِمُ الضَّرُورَاتُ إِلَيْهَا أَلَّا تَكُونَ الْحُرْمَةُ فِيهِمَا مُرْتَفِعَةً عَنِ الْمُحْرِمِينَ الْمُضْطَرِّينَ إِلَيْهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ مَا أُبِيحَ لَهُمْ مِنَ اسْتِعْمَالِهَا فَلِلضَّرُورَاتِ إِلَيْهِمَا، لَا بِسُقُوطِ حُرْمَتِهِمَا وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اسْتُعْمِلَ مِنْهُمَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الضَّرُورَةِ، أَنَّ عَلَى مُسْتَعْمِلِهِ مِنْهُمُ الْكَفَّارَةَ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ عَلَيْهِ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ قَبْلَ حُدُوثِ الضَّرُورَةِ وَلَمَّا كَانَ حدَيِثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبَاحَةٍ لَا كَفَّارَةَ مَعَهَا، عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي أُبِيحَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ هُوَ لِبَاسُ الْخُفَّيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ لُبْسُهُمَا قَبْلَ الضَّرُورَةِ، وَأَنَّ الَّذِي أُبِيحَ مِنْ لِبَاسِ السَّرَاوِيلِ هُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ قَبْلَ الضَّرُورَةِ مِنْ خُرُوجِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، إِلَى مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ فِي الْإِحْرَامِ عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ وَالْعَمَائِمِ فَهُوَ حُكْمُ الرِّجَالِ خَاصَّةً فِي الْإِحْرَامِ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافُ هَذَا، وَلَهُنَّ أَنْ يَلْبَسْنَ فِي الْإِحْرَامِ السَّرَاوِيلَاتِ وَالْعَمَائِمَ بَعْدَ أَلا يُغَطِّينَ شَيْئًا مِنْ وُجُوهِهِنَّ، ولَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْخِفَافُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِهَا لِلنِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، فَكَانَ أَكْثَرُهُمْ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِهَا لَهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ، كَمَا لَا بَأْسَ لَهُنَّ بِالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْعَمَائِمِ فِي الْإِحْرَامِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِيمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ قَوْلُنَا وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لُبْسُ السَّرَاوِيلَاتِ مُبَاحًا لَهُنَّ فِي الْإِحْرَامِ كَانَ كَذَلِكَ لُبْسُ الْخِفَافِ وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبَاحَتِهِ لِبَاسِ الْخِفَافِ لِلنِّسَاءِ فِي الْإِحْرَامِ، وَفِي كَرَاهَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ لِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ إِطْلَاقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ، وَفِي رُجُوعِهِ عَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِطْلَاقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ لَهُنَّ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ ما: 1196- قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُفَّيْنِ لِلنِّسَاءِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ " قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حَتَّى أَخْبَرَتْهُ صَفِيَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا عِنْدَنَا مِنَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ لِلْمَرْأَةِ فِي إِحْرَامِهَا مُوَارَاةَ عَوْرَتِهَا، وَرَدَّ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْهَا إِلَى أُمُورِ الرِّجَالِ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ تَرْكِ النَّاسِ الْقَدَمَيْنِ اللَّتَيْنِ لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ مَا يَلْبَسَانِ مِنَ الْخِفَافِ، وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَرَكَ مَا كَانَ يَرَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ وَجَدْنَا مِنَ الْمَرْأَةِ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ قَدْ أُطْلِقَ لَهَا إِلْبَاسُهُ فِي الْإِحْرَامِ مَا يُلْبَسُهُ مِثْلُهُ، مِنْ ذَلِكَ رَأْسُهَا، أُبِيحَ لَهَا إِلْبَاسُهُ فِي الْإِحْرَامِ مَا يُلْبَسُهُ مِثْلُهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْعَوْرَاتِ، لِأَنَّ لَهَا مِنْ كَشْفِهِ عِنْدَ أَبِيهَا، وَعِنْدَ سَائِرِ ذَوِي أَرْحَامِهَا الْمُحَرَّمَاتِ مِنْهَا سِوَاهُ، وَإِنَّمَا تُؤْمَرُ بِتَغْطِيَتِهِ عِنْدَ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَجْنَبِيِّينَ، وَكَانَ مُطْلَقًا لَهَا إِلْبَاسُهُ فِي الْإِحْرَامِ مَا يُلْبَسُهُ مِثْلُهُ عِنْدَ ذَوِي أَرْحَامِهَا وَكَانَتِ الْقَدَمَانِ وَالسَّاقَانِ مِمَّا أُبِيحَ لَهَا كَشْفُهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِيهَا، وَعِنْدَ ذَوِي أَرْحَامِهَا الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهَا سِوَاهُ، فَلَمَّا كَانَ الْقَدَمَانِ وَالسَّاقَانِ مِمَّا أُبِيحَ لَهَا كَشْفُهُ عِنْدَ أَبِيهَا، وَعِنْدَ ذَوِي أَرْحَامِهَا الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهَا سِوَاهُ كَمَا كَانَ الرَّأْسُ مُبَاحٌ لَهَا كَشْفُهُ عِنْدَهُمْ، ثَبَتَ بِذَلِكَ اسْتِوَاءُ حُكْمِ الْقَدَمَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَحُكْمُ الرَّأْسِ وَلَمَّا اسْتَوَى ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا لَهَا إِلْبَاسُ قَدَمَيْهَا وَسَاقَيْهَا فِي إِحْرَامِهَا مَا يُلْبَسُ مِثْلُهَا، كَمَا كَانَ إِلْبَاسُ رَأْسِهَا فِي إِحْرَامِهَا مَا يُلْبَسُهُ مِثْلُهُ فَثَبَتَ بِالْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ مُوَافَقَةُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِطْلَاقِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْطِيَةِ الرِّجَالِ وَجْهِهِمْ فِي الْإِحْرَامِ، فَأَبَاحَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَاحْتَجُّوا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِما: 1197- قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، وَعِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: " رَأَيْتُ عُثْمَانَ بِالْعَرْجِ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ". 1198- وَبِمَا حِدَثَّنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْفُرَافِصَةُ بْنُ عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ، " أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ مُغَطِّيًا وَجْهَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ". 1199- وَبِمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ عِنْدَ النَّوْمِ مِنَ الْحَنِينِ ". 1200- وَبِمَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الرَّازِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، " أَنَّ عُثْمَانَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ كَانُوا يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ إِذَا رَقَدَ أَحَدُهُمْ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَى الْجَبْهَةِ ". 1201- وَبِمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 1202- وَبِمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: " سَأَلْتُ جَابِرًا: يُغَطِّي الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ "، وَغَطَّى جَابِرٌ وَجْهَهُ أَجْمَعَ ". 1203- وَبِمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ، " أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنِ الْمُحْرِمِ، يُغَطِّي وَجْهَهُ؟ فَغَطَّتْ وَجْهَهَا ". 1204- وَبِمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، مِثْلَهُ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، فَقَالُوا لَا وَجْهَهُ فِي الْإِحْرَامِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، فَيُغَطِّيهِ لَهَا، وَيَفْتَدِي مِنْ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ. 1205- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: " مَا فَوْقَ الذَّقْنِ مِنَ الرَّأْسِ، فَلَا يُغَطِّيهِ الْمُحْرِمُ ". 1206- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَهُ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ الَّذِي رُوِيَ فِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، فإنما هو مذكور من أفعالهم، لَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى ضَرُورَاتٍ أَبَاحَتْ لَهُمْ ذَلِكَ، وَعَلى أَنَّهُمْ يَفْتَدُونَ لَهَا كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ. 1207- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، " أَنَّهُ صَحِبَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَاشْتَدَّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ الْبَرْدُ، فَدَعَا بِسَاحٍ، فَزُرَّ عَلَيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّكَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ: أُكَفِّرُ ". 1208- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ لَهُ: " يَا أَبَا مَعْبَدٍ، زِرَّ عَلَيَّ طَيْلَسَانِي، وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ: كُنْتَ تَنْهِي عَنْ هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَدِيَ " فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ زُرَّ عَلَيْهِ الطَّيْلَسَانُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَرَآهُ مَنْ رَآهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَنْقِلُوا ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَمَّا سَأَلَهُ أَبُو مَعْبَدٍ مَوْلَاهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ لَهُ: إِنِّي أَفْتَدِيَ فَقَدْ يَجُوزُ أَيْضًا فِي تَغْطِيَةِ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنْ يَكُونُوا لَوْ سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ لَأَخْبَرُوا أَنَّهُ لِضَرُورَاتٍ بِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَفْتَدُونَ لَهَا، فَرَجَعَ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى الِاخْتِلافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ جَابِرٍ، وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ فِيهِ، لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْمُحْرِمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ أَوْسَعَ أَمْرًا مِنَ الْمُحْرِمِينَ مِنَ الرِّجَالِ فِي اللِّبَاسِ، لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا النِّسَاءَ الْمُحْرِمَاتِ يَلْبَسْنَ الْقُمُصَ وَالسَّرَاوِيلَاتِ، وَيُغَطِّينَ رُءُوسَهُنَّ، وَلَا يُخَمِّرْنَ وُجُوهَهُنَّ، فَلَمَّا كَانَتِ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ أُبِيحَ لَهُنَّ تَغْطِيَةُ الرُّءُوسِ وَإِلْبَاسُ الْأَبْدَانِ الْقُمُصِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الرِّجَالُ، وَمُنِعْنَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَغْطِيَةِ وُجُوهِهِنَّ، كَانَ الرِّجَالُ الْمَمْنُوعُونَ مِنْ تَغْطِيَةِ مَا أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ تَغْطِيَتُهُ فِي تَغْطِيَةِ وُجُوهِهِنَّ أَوْكَدَ مِنَ الْمَنْعِ، وَأَضْيَقَ حَالًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ إِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ تَغْطِيَةَ وَجْهِهَا فِي الْإِحْرَامِ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ ما: 1209- قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ الْعَبْدِيَّةِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتِ: " الْمُحْرِمَةُ تُغَطِّي وَجْهَهَا إِنْ شَاءَتْ " قِيلَ لَهُ: هَذَا عِنْدَنَا عَلَى التَّغْطِيَةِ بِالسَّدْلِ عَلَى الْوَجْهِ، لَا عَلَى التَّغْطِيَةِ بِمَا سِوَاهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. 1210- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، إِذَا مَرَّ بِنَا رَكْبٌ سَدَلْنَا الثَّوْبَ عَلَى وُجُوهِنَا سَدْلًا، فَإِذَا جَاوَزَ رَفَعْنَاهُ " وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ كَانَتْ تَكْرَهُ النِّقَابَ لِلْمُحْرِمَةِ، وَتَنْهَاهَا عَنْهُ وَرَوَتْ ذَلِكَ عَنْهَا أُمُّ شَبِيبٍ هَذِهِ. 1211- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ الْعَبْدِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا، مَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ؟ فَقَالَتِ: الْخُفَّيْنِ، وَالْقُفَّازَيْنِ، وَالسَّرَاوِيلَ "، وَنَهَتْ عَنِ الْكُحْلِ وَالنِّقَابِ " وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. 1212- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، " أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ " فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ كَانَتْ تَكْرَهُ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ لِلْمُحْرِمَةِ بِالنِّقَابِ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، وَأَنَّ الَّذِي أَبَاحَتْ مِنْ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِسْدَالِ الثَّوْبِ عَلَى وَجْهِهَا عِنْدَ مُرُورِ الرَّكْبِ بِهَا وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ما: 1213- حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجَشُونُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً قَدْ سَدَلَتْ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، فَقَالَ لَهَا " اكْشِفِي وَجْهَكِ، فَإِنَّمَا حُرْمَةُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا " فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمَةِ سَدْلَ الثَّوْبِ عَلَى وَجْهِهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَكْرَهُ تَغْطِيَةَ الْوَجْهِ لَهَا كَمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا، وَكَانَ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ فِي إِبَاحَةِ الْمَرْأَةِ السَّدْلَ عَلَى وَجْهِهَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْلَى عِنْدَنَا لِفِعْلِهَا ذَلِكَ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِإِطْلَاقِ الْقِيَاسِ إِيَّاهُ، وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الرَّجُلَ الْمُحْرِمَ مَطْلَقٌ لَهُ أَنْ يُجَافِي الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ يَسْتُرُ بِهِ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ الَّذِي يَمْنَعُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ وَضْعِهِ عَلَيْهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مُبَاحٌ لَهَا تَغْطِيَةُ رَأْسِهَا فِي الْإِحْرَامِ، فَكَانَ لَهَا وَضْعُهُ عَلَى رَأْسِهَا وَسَدْلُهُ مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، لِأَنَّهَا تُسْدِلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ مُبَاحٌ لَهَا وَضْعُهُ عَلَيْهِ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ الَّذِي يُوَارِي وَجْهَهُ مِنَ الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحِ لَهُ مُوَارَاتُهُ إِيَّاهُ مِنْهُ وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُونَهُ فِي هَذَا فِيمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ قَوْلُنَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الظِّلَالِ لِلرِّجَالِ الْمُحْرِمِينَ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ، فَأَبَاحَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَمِمَّنْ أَبَاحَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ مِمَّا يَحْظُرَهُ الْإِحْرَامُ عَلَى الرِّجَالِ الْمُحْرِمِينَ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَمِمَّنْ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ: مَالِكٌ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِمَّا حَظَرَهُ الْإِحْرَامُ عَلَى الرِّجَالِ الْمُحْرِمِينَ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا جَمِيعًا فِي إِبَاحَةِ الظِّلَالِ لِلنِّسَاءِ الْمُحْرِمَاتِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ إِبَاحَةُ الظِّلَالِ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ زَمِيلُهُ امْرَأَةً مُحْرِمَةً، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْفَرَوِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَوَجَدْنَا الْإِحْرَامَ لَا يَحْظُرَ عَلَى الْمُحْرِمِ دُخُولَ الْبُيُوتِ، وَالْقُعُودَ فِيهَا، وَلَا دُخُولَ الْأَخْبِيَةِ، وَلَا الْقُعُودَ فَيهَا، كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَلا يَكُونَ الْإِحْرَامُ أَيْضًا يَحْظُرَ عَلَيْهِ التَّظْلِيلَ عَلَيْهِ فَوْقَ رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ وَجَدْنَا ظُهُورَ الرَّوَاحِلِ قَدْ خُفِّفَ فِيهَا مَا لَمْ يُخَفَّفْ فِيمَا سِوَاهَا، فَجُعِلَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ عَلَى رَاحِلَتِهِ إِيمَاءً حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا كَانَ ظُهُورُ الرَّوَاحِلِ فِيمَا ذَكَرْنَا مُخَفَّفًا فِيهِ مَا لَمْ يُخَفَّفْ فِيمَا سِوَاهُ، وَرَأَيْنَا الظِّلَالَ عَلَى مَا سِوَاهُ مُبَاحًا لِلْمُحْرِمِ، كَانَ الظِّلَالُ عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْإِبَاحَةِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الظِّلَالَ عَلَى الرَّاحِلَةِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ، وَأَنَّهُ مِمَّا لَمْ يَحْظُرِ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْإِضْحَاءِ وَتَرْكِ التَّظْلِيلِ لِلْمُحْرِمِ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ ما: 1214- حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُحْرِمٍ ضَحَى لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إِلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِأَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُحْتَجِّينَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ مِمَّا تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ لِمَا يَتَكَلَّمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَسَانِيدِ فِي رِوَايَةِ مَنْ دُونَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ وَفَوْقَ مُطَرِّفٍ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ لَمَا كَانَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوا، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ لَنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مَا مِنْ مُحْرِمٍ يَضْحَى لِلشَّمْسِ فَلَمَّا كَانَ الْإِضْحَاءُ لِلشَّمْسِ عَلَى غَيْرِ الرَّاحِلَةِ لَيْسَ هُوَ التَّجَرُّدُ لِلشَّمْسِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَيْسَ هُوَ تَرْكُ الِاسْتِظْلَالِ عَلَيْهَا بِمَا يُسْتَظَلُّ بِهِ عَلَى مِثْلِهَا فَقَدْ حَظَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْسَ الثِّيَابِ الَّتِي قَدْ مَسَّهَا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ. 1215- فَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَلْبَسُوا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانُ "، يَعْنِي فِي الْإِحْرَامِ. 1216- وَحَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1217- وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1218- وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ وَلَمَّا حَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لُبْسَ الثَّوْبِ الَّذِي قَدْ مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ لِلْوَرْسِ أَوْ لِلزَّعْفَرَانِ الَّذِي قَدْ مَسَّهُ، كَانَ التَّطَيُّبُ بِالْوَرْسِ أَوْ بِالزَّعْفَرَانِ أَشَدَّ حَظْرًا، وَهَكَذَا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ جَمِيعًا فِي هَذَا، لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، غَيْرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَدْ كَانَتْ تَقُولُ فِي الثَّوْبِ إِذَا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لُبْسُهُ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ غُسِلَ، وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، فَقَالُوا: إِذَا كَانَ قَدْ غُسِلَ مِنَ الْوَرْسِ أَوْ مِنَ الزَّعْفَرَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ حَتَّى صَارَ لَا يَنْقُصُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْهُمَا، فَقَدْ عَادَ إِلَى حُكْمِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَصْبُغَ بِهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِما: 1219- قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ وَزَادَ: " إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا ". 1220- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ: رَأَيْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَهُوَ يَتَعَجَّبُ مِنَ الْحِمَانِيِّ إِذْ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يُرِيدُ فِيهِ عَلَى النَّاسِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ الَّذِي فِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ: هَذَا عِنْدِي عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَمَا يُحَدِّثُ بِهِ الْحِمَانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ وَثَبَ مِنْ فَوْرِهِ، فَجَاءَ بِأَصْلِهِ، فَحَدَّثَنَا مِنْهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ، عَلَى مَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ الْحِمَانِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَكَتَبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ نَهْيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الَّذِي قَدْ مَسَّهُ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ إِنَّمَا هُوَ لِلْوَرْسِ أَوِ الزَّعْفَرَانِ، لَا لِلثَّوْبِ فِي عَيْنِهِ، فَإِذَا أُزِيلَا عَنِ الثَّوْبِ فَصَارَ خَالِيًا مِنْهُمَا، زَالَ عنْهُ النَّهْيُ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْإِبَاحَةِ، وَهَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُونَهُ فِي هَذَا فِيمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَسَيِّبِ، وَطَاوُسَ، وَإِبْرَاهِيمَ. 1221- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُحْرِمَ، وَلَيْسَ لِي إِلَّا هَذَا الثَّوْبُ، ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ بِزَعْفَرَانَ قَالَ: " آللَّهُ مَا تَجِدُ غَيْرَهُ؟ " فَحَلِفَ، قَالَ: " اغْسِلْهُ وَأَحْرِمْ فِيهِ ". 1222- وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسَ، قَالَ: " إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ زَعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ فَغُسِلَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرَمَ فِيهِ. 1223- " وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى نَحْوٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ: 1224- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ، ثُمَّ ذَهَبَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، هَلْ يُحْرَمُ فِيهِ؟ قَالَ " نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغُ وَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانَ " فَهَذَا حُكْمُ الرِّجَالِ فِي التَّطَيُّبِ فِي الْإِحْرَامِ، وَفِي لِبَاسِ الثِّيَابِ الَّتِي قَدْ مَاسَّهَا الطِّيبُ الَّذِي يُنْهَى عَنْهُ الْمُحْرِمُ فَأَمَّا حُكْمُ النِّسَاءِ فِي التَّطَيُّبِ فِي الْإِحْرَامِ، وَفِي لِبَاسِ الثِّيَابِ الَّتِي قَدْ مَاسَّهَا الطِّيبُ الْمَكْرُوهُ لِلْمُحْرِمِينَ وَلَمْ يُغْسَلْ مِنْهَا، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدًا كَانُوا يَقُولُونَ: هُنَّ فِي ذَلِكَ كَالرِّجَالِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنْهَا ما: 1224- قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ: " الْمُهِلَّةُ لَا تَلْبَسُ ثِيَابَ الطِّيبِ، وَتَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ مِنْ غَيْرِ طِيبٍ " وَمِنْهَا مَا: 1225- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، " أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانُ " فَهَذَا جَابِرٌ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ أَخْرَجَا الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ مِنْ حُكْمِ الثِّيَابِ الْمُصْبَغَةِ بِالزَّعْفَرَانِ، فَأَبَاحَا لِلْمُحْرِمَةِ لُبْسَ الثِّيَابِ الْمُصْبَغَةِ بِالْعَصْفَرِ، وَلَمْ يُبِيحَا لَهَا لِبَاسَ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالزَّعْفَرَانِ، وَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يَذْهَبَانِ إِلَى أَنَّ الْعُصْفُرَ لَيْسَ مِنَ الطِّيبِ، وَلَا بمَّا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ عَلَى الْمُحْرِمِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَا مِنَ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ كَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّ الْعُصْفُرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الطِّيبِ، وَيَجْعَلُونَهُ مَكْرُوهًا لِلْمُحْرِمِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَمِنَ النِّسَاءِ كَمَا يَكْرَهُونَ لَهُمْ سَائِرَ الطِّيبِ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُ، فَرَأَيْنَا الزَّعْفَرَانَ مَكْرُوهًا لِلرِّجَالِ فِي الْإِحْرَامِ، وَفِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَمَرْوِيًّا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ما: 1226- قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَمَّ عَنْ أَنْ يُزَعْفِرَ الرَّجُلُ ". 1227- وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ وَكَانَ الْعُصْفُرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمَحْكُومٌ لَهُ بِخِلَافِ حُكْمِ الزَّعْفَرَانِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُوَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَأَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا لَهُ بِخِلَافِ حُكْمِ الزَّعْفَرَانِ، فَيَكُونُ مُبَاحًا لِلْمُحْرِمِينَ وَالْمُحْرِمَاتِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ كَمَا كَانَ مُبَاحًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، غَيْرَ أَنَّا نَكْرَهُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنْ يَلْبَسَهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لَهُمْ فِي انْتِهَاكِ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ، وَيَقُولُونَ: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّا رَأَيْنَا فُلَانًا يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصْبَغَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهَذَا عِنْدَنَا مِثْلُ مَا قَالَهُ عُمَرُ لِطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لَمَّا رَأَى عَلَيْهِ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْمَدَرِ. 1228- حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ: " أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى طَلْحَةَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ عُمَرُ: " مَا هَذَا الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ يَا طَلْحَةُ؟ " قَالَ طَلْحَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ فَقَالَ عُمَرُ: " إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يَقْتَدَى بِكُمُ النَّاسُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا رَأَى هَذَا الثَّوْبَ لَقَالَ: إِنَّ طَلْحَةَ قَدْ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصْبَغَةَ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَا تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُصْبَغَةِ " فَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَنْ يَتَجَنَّبَ فِي اللِّبَاسِ فِي إِحْرَامِهِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِ مَا خَافَهُ عُمَرُ فِيهِ وَهَكَذَا مَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنَ النِّسَاءِ، فَيَنْبَغِي لَهَا تَرْكُ لِبَاسِ مِثْلِ هَذَا فِي الْإِحْرَامِ وَسَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِمَّا قَدْ كَانَ الرَّجُلُ قَبْلَ إِحْرَامِهِ مَمْنُوعًا فِيهِ، فَمَا مَعْنَى النَّهْيُ عَنْهُمَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ؟ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ النَّاسُ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا لَهُمْ كَمَا مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ لُبْسِ الْقُمُصِ، وَمِنَ التَّطَيُّبِ، وَمِنْ سَائِرِ مَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الْإِحْرَامِ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا لَهُ قَبْلَهُ؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ قُلْنَا لَهُ: الْمَنْعُ قَدْ يَكُونُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ كَمَا ذَكَرْتَ، وَيَكُونُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَكْرُوهَةِ قَبْلَ النَّهْيِ لِيُرَادَ بِذَلِكَ نَهْيٌ، وَلِيَتَوَكَّدَ أَمْرُهَا، وَلِيَكُونَ عَلَى مَنْتَهِكِهَا فِي الْحَالِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا فِيهِ مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِ مِثْلِهَا مِمَّا قَدْ نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ مُبَاحَةً لَهُ قَبْلَ النَّهْيِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا السُّنَّةَ الْقَائِمَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَتْ بِتَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ، وَجَاءَتْ بِنَهْيِ الْمُحْرِمِينَ عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهَا حَرِيرًا مَنْهِيًّا عَنْ لُبْسِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا سِوَى الْحَرِيرِ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا لُبْسُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَمِيصَ حَرِيرٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْفِدْيَةِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقَمِيصُ غَيْرَ حَرِيرٍ، فَلَمْ تَخْرُجِ الْقُمُصُ الْحَرِيرُ مِنَ الْقُمُصِ الَّتِي قَدْ نُهِيَ عَنْ لُبْسِهَا فِي الْإِحْرَامِ لِتَقَدُّمِ حُرْمَةِ لُبْسِهَا لِلْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ غَيْرَهَا، كَانَ مَنْ لَبِسَهَا فِي حَالِ إِحْرَامِهِ لَا يُسْأَلُهَا عَلَى التَّحْرِيمِ الْأَوَّلِ، وَالتَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مُنْتَهِكِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ هُوَ مَا نُهِيَ عَنْ لُبْسِهِ فِي الْإِحْرَامِ فَكَذَلِكَ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ اللَّذَانِ كَانَا مَمْنُوعًا مِنْهُمَا فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَكَذَا الْمَنْعُ مِنْهُمَا فِي الْإِحْرَامِ لِتَكُونَ حُرْمَتُهُمَا قَدْ صَارَتْ لِلْإِحْرَامِ مَعَ الْحُرْمَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ اللهَ جَلَّ وَتَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}، الْآيَةَ وَقَدْ كُنَّا قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَمْنُوعِينَ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ الَّذِي فِي مُلْكِ غَيْرِنَا، وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا قَتَلَ صَيْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ حَلَالٍ يَمْلُكُهُ، كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِصَاحِبِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الصَّيْدِ الَّذِي قَدْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، إِذًا لَمَا وَجَبَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ جَزَاءٌ، إِذْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْآيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ فِيهَا، وَالْمَجْعُولِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ فِيهَا الْجَزَاءُ الْمَذْكُورُ فِيهَا وَسَأَلَ هَذَا السَّائِلُ فَقَالَ: قَدْ جَعَلْتَ الدَّلِيلَ عَلَى إِبَاحَةِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِلْمُحْرِمِينَ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ وَحُكْمِ الزَّعْفَرَانِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ وَجَدْنَا الْمِسْكَ وَالْعَنْبَرَ مُبَاحَيْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا كَانَ الْإِحْرَامُ صَارَا مَمْنُوعًا مِنْهُمَا كَمَا يُمْنَعُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ، فَلَمْ يَكُنِ افْتِرَاقُ حُكْمِهِمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَانِعٍ مِنَ اتِّفَاقِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَمَا أَنْكَرْتُ أَنْ يَكُونَ الْعُصْفُرُ أَيْضًا كَذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ وَإِنْ كَانَا كَمَا ذَكَرْتَ فَإِنَّمَا مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا طِيبٌ، وَكَانَا مُبَاحَيْنِ لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فِي حَالِ حِلِّ الطِّيبِ لَهُ، وَمُحَرَّمَيْنِ عَلَيْهِ فِي حَالِ حُرْمَةِ الطِّيبِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعُصْفُرُ فَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّهُ طِيبٌ، وَلَمْ نَرَهُمْ يَتَطَيَّبُونَ بِهِ، وَلَا بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَنَا، فَالْعِلَّةُ الَّتِي بِهَا مُنِعَ مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتَهُمَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْعُصْفُرِ الَّذِي شَبَّهْتَهُ عَلَيْنَا بِهِما:
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِالصَّيْدِ الَّذِي حُرِّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هُوَ الصَّيْدُ كُلُّهُ إِلَّا مَا أَبَاحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي إِبَاحَةِ مَا أَبَاحَ مِنْ ذَلِكَ، وَرَوُوا فِي ذَلِكَ ما: 1229- قَدْ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ حَفْصَةُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ". 1230- وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. 1231- وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. 1232- وَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمُنَقِّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1233- وَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 1234- وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. قَالُوا: وَأَمَّا مَا سِوَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الَّتِي أَبَاحَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَمُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْإِحْرَامِ، وَدَاخِلٌ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ، وَمِمَّا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْهُ وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الصَّيْدِ إِلَّا مَا كَانَ حَلَالًا قَتْلُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ ذِي النَّابِ مِنَ السِّبَاعِ، وَمِنْ ذِي الْمِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَتْ حُرْمَتُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَمِمَّا لَمْ تَكُنِ الذَّكَاةُ تُحِلُّهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ، فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الرَّجُلَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ لَهُ صَيْدُ مَا يَأْكُلُهُ مِمَّا تَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ، وَلَهُ صَيْدُ مَا لَا يَأْكُلُهُ مِمَّا لَا تَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ لِيُطْعِمَهُ كِلَابَهُ وَبُزَاتَهُ وَصُقُورَهُ الَّتِي يَصِيدُ بِهَا، ذَلِكَ لَهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ لَهُ حَلَالٌ، وَكُلُّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّيْدِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّيْدِ، وَكَانَ مُبَاحًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ صَيْدُهُ لِلْأَكْلِ وَلِلِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَا إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَصَدَ فِيمَا أَبَاحَ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الْإِحْرَامِ إِلَى عَدَدٍ مَعْلُومٍ، لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الصَّيْدِ إِلَّا مَا دَخَلَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنِ لِذِكْرِهِ الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ مَعْنًى فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ فِي إِحْرَامِهِ مِنَ الصَّيْدِ إِلَّا مَا أَبَاحَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي أُرِيدَ قَتْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هُوَ الْأَسَدُ، وَرَوُوا ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. 1235- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " الْكَلْبُ الْعَقُورُ الْأَسَدُ ". 1236- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ قَالُوا: وَكَذَلِكَ مَا عَقَرَ مِنَ السِّبَاعِ فَهُوَ كَلْبٌ عَقُورٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ هُوَ الْكَلْبُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفةَ، وَزُفَرُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَقَالُوا: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَظَرَ مَا أَبَاحَ قَتْلَهُ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ، وَكُنَّا لَوْ جَعَلْنَا الْكَلْبَ الَّذِي أَرَادَهُ فِيهِ كُلَّمَا عَقَرَ، مِنْ سَبْعٍ وَمِنْ غَيْرِهِ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنَ الْخَمْسِ الَّتِي سَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَحَظَرَ مَا أَبَاحَ بِهَا قَالُوا: وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَعْقِرُ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسِ، أَنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الْجَزَاءَ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الضَّبْعِ: 1237- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، وَحَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، وَشَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ، وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَّدَثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا، فَقَالُوا قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُئِلَ عَنِ الضَّبْعِ، فَقَالَ: هِيَ مِنَ الصَّيْدِ " وَجَعَلَ فِيهَا إِذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ كَبْشًا ". 1238- حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " قَضَى فِي الضَّبْعِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ بِكَبْشٍ " قَالُوا: فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ مَا عَقَرَ مِنَ الْكِلَابِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّهُ إِنَمَّا أُرِيدَ الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ "، وَالْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ: " إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ "، وَالْمُرَادُ فِي أَمْرِهِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، إِذْ كَانَتِ الضَّبْعُ أَشَدَّ عَقْرًا، وَأَدْنَى إِلَى قَتْلِ النَّاسِ، وَأَكْلِ لُحُومِهِمْ، وَشُرْبِ دِمَائِهِمْ مِنَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَقَالُوا: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ هُوَ الْأَسَدِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، " يَخْرُجُ الْكَلْبُ الَّذِي يَبْلُغُ فِي أَفْعَالِهِ بِبَنِي آدَمَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، لِأَنَّهُ إِذَا قُصِدَ بِهِ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى الْجُنَاةِ عَلَى بَنِي آدَمَ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا هُوَ أَدْنَى مِنْهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَنَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جَعَلَ فِي الضَّبْعِ الْجَزَاءَ إِذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ، لِأَنَّهَا مِمَّا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهُ، فَصَارَتْ بِذَلِكَ مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي كَانَ مَأْكُولًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ حَتَّى حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا: 1239- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سَنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ، أَخْبَرَهُ، قَالَ: " سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ الضَّبْعِ، فَقُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ " قُلْتُ: أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: فَهَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَكْلَهَا قِيلَ لَهُ: مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَبِينُ لَنَا بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَ أَكْلَهَا، لِأَنَّ ابْنَ أَبِي عَمَّارٍ إِنَّمَا سَأَلَ جَابِرًا، فَقَالَ: آكُلُهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، جَوَابًا لِمَسْأَلَتِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَظَاهِرُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ أَنَّهَا صَيْدٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ إِلَى الْآنَ حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَحَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا عَنْهُمَا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رَوَى عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ هَذَا الْحَدِيثِ بِإِبَاحَةِ أَكْلِ الْمُحْرِمِ إِيَّاهَا، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ ما: 1240- حَدَّثَنَاهُ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ " سُئِلَ عَنِ الضَّبْعِ، فَقَالَ: هِيَ صَيْدٌ، وَفِيهَا جَزَاءٌ كَبْشٌ مُسِنٌّ، وَتُؤْكَلُ " قِيلَ لَهُ: وَهَذَا أَيْضًا فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ، أَنَّ يَكُونَ قَوْلُهُ: " وَيُؤْكَلُ "، مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ وَفِي حَدِيثِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ حِينَ حَكَى الْحُكْمَ فِيهَا عَنْ غَيْرِهِ إِنَّمَا قَالَ: " قَضَى فِي الضَّبْعِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ بِكَبْشٍ "، وَلَمْ يَذْكُرْ عَنِ الْحَاكِمِينَ فِيهَا بِذَلِكَ إِبَاحَتَهُمْ أَكْلِهَا وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فِيمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَقُولُونَ: الذِّئْبُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي إِحْرَامِهِ، وَلِلْحَلَالِ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا يَقْتُلَانِ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ، إِذْ لَمْ يَجْعَلُوا سَائِرَ السِّبَاعِ الَّتِي تَعْقِرُ كَعَقْرِ الْكَلْبِ أَوْ كَأَشَدِّ مِنْ عَقْرِهِ فِي حُكْمِ الْكَلْبِ فِي إِبَاحَتِهِ قَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، أَلَّا يَجَّعُلوا الذِّئْبَ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَأَنْ يَكُونَ مَا أُبِيحَ مِنْ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ عَلَى الْكَلْبِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ الْعَامَّةِ خَاصَّةً، لَا عَلَى مَا سِوَاهُ مِمَّا يُشْبِهُهُ فِي أَفْعَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، فِي عَدَدِ مَا يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، قَتْلَ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ، وَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدًا لَمْ يَجْعَلُوا الرَّخَمَ، وَلَا سَائِرَ ذَوِي الْمِخْلَبِ، مِنَ الطَّيْرِ كَهُمَا، غَيْرَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، إِنْ كَانَ ثَابِتًا، يَشْهَدُ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ: 1241- عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَجْلَانِ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، يَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْعَقْرَبُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ "، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: " الْحَيَّةُ، وَالذِّئْبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ " هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيٌّ عَنْ سَعِيدٍ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي ذَلِكَ مُجَاوَزَةُ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِهِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبَاحَةَ قَتْلِ الْخَمْسِ فِي الْحَرَمِ كَمَا سَمِعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَاحَ قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالذِّئْبِ فِي الْحَرَمِ فَأَلْحَقَ ذَلِكَ بِالْخَمْسِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ فِي الذِّئْبِ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِيهِ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، غَيْرَ أَنَّا لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَقَدْ ذَكَرْنَا إِبَاحَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلِ الْغُرَابِ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي تِلَكَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِّينَا فِي ذَلِكَ، أَيُّ غُرَابٍ هُوَ، غَيْرَ أَنَّا وَجَدْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَصَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْغُرَابِ الْأَبْقَعِ. 1242- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْحِدَأُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ " فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ زَائِدًا عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِّينَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الطَّيِّ، وَمُخْبِرًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ مِنَ الْغِرْبَانِ الْأَبْقَعَ مِنْهَا خَاصَّةً، لَا مَا سِوَاهُ مِنْهَا، إِذْ كَانَ الْأَبْقَعُ مِنْهَا هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا فِيهِ الضَّرَرُ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي طَعَامِهِمْ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ كَمَا تَفْعَلُ الْحِدَأُ، وَكَانَ مَا سِوَى الْأَبْقَعِ مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَاحِدُهُ الزَّاعُ، لَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَكَذَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُونَ فِي الْمُبَاحِ قَتْلُهُ مِنَ الْغِرْبَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، أَنَّهُ الْأَبْقَعُ مِنْهَا خَاصَّةً، لَا مَا سِوَاهُ مِنْهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ، مِمَّنْ يَذْهَبُ إِلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ السِّبَاعِ فِي الْإِحْرَامِ، فِي الْمُحْرِمِ يَبْتَدِئُهُ السَّبْعُ فَيَقْتُلُهُ، فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَقُولُونَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ إِيَّاهُ وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنْ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ ابْتِدَاءً مِنْهُ إِيَّاهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَا يُجَاوَزُ بِهَا دَمٌ وَذَكَرَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زُفَرَ، أَنَّهُ قَالَ: " عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا " وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْهُ، وَهَلْ تَسْقُطُ الْكَفَّارَاتُ عَنِ الْمُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ بِالضَّرُورَاتِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ أَمْ لَا؟ فَرَأَيْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ حَلْقَ رَأْسِهِ، ثُمَّ أَبَاحَهُ فِي الضَّرُورَةِ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيَّ، وَخَيَّرَهُ فِيهَا بَيْنَ أَصْنَافِهَا الْمُسَمَّاةِ فِيهَا وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ فَكَانَ فِي هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي أُبِيحَ لِلْمُحْرِمِ مِنْ أَجْلِهَا حَلْقُ الرَّأْسِ الَّذِي كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ قَبْلَهَا، سُقُوطُ الْإِثْمِ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ، لَا سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ سَائِرُ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي إِحْرَامِهِ، وَأُبِيحَ لَهُ لِضَرُورَةٍ حَدَثَتْ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الضَّرُورَةُ تَرْفَعُ الْإِثْمَ عَنْهُ، وَلَا تُسْقِطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا قَالَ زُفَرُ، وَانْتَفَى بِهِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَحُجَّةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ يَجِبُ بِهَا مَا قَالَ زُفَرُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ أَنَّا وَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْمُحْرِمِ يَنْقَلِبُ فِي نَوْمِهِ عَلَى صَيْدٍ فَيَقْتُلُهُ، أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ، وَالْآثَامُ سَاقِطَةٌ عَنْهُ فِيمَا أَصَابَ فِي نَوْمِهِ، وَالْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ فِيهِ، وَلَمْ يَرْفَعْ ذَلِكَ عَنْهُ الْجَزَاءَ، بَلْ جُعِلَ فِيمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ فِي نَوْمِهِ فِي حُكْمِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ فِي يَقَظَتِهِ، فَالْقِيَاسُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ فِي إِحْرَامٍ أَوْ فِي حَرَمٍ، أَنْ يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِي حُكْمِهِ لَوْ أَصَابَهُ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ الضَّرُورَاتُ تَرْفَعُ الْآثَامَ، وَلَا تُسْقِطُ الْكَفَّارَاتِ.
|